يحظى الشمول المالي في الآونة الأخيرة باهتمام متزايد من قبل صانعي القرار في مختلف دول العالم، وفي فلسطين فقد حرصت سلطة النقد وهيئة سوق رأس المال والجهات ذات العلاقة على ترجمة هذا الاهتمام إلى مشروع وطني طموح شكلت دراسة الشمول المالي حجر الأساس فيه، وبحيث تكمن أهمية دراسة الشمول المالي بكونها نقطة الانطلاق نحو تحقيق الشمول المالي في فلسطين. كما وتعتبر أداة معرفية فريدة تساعد صانعي القرار في القطاع المالي على اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة التي من شأنها رفع الوعي والقدرات المالية لدى المجتمع الفلسطيني بشرائحه المختلفة تحديداً المهمشة منها. هدفت دراسة الشمول المالي التي تم تنفيذها بالعام 2016 إلى الوصول إلى اقتراحات وتوصيات تفصيلية مبنية على الوقائع والأدلة لإعداد استراتيجية الشمول المالي، بالاستناد إلى المعرفة الدقيقة بمستويات ونواقص وفرص وتحديات الشمول المالي التي تواجه مقدمي المنتجات والخدمات المالية للسكان البالغين على المستوى الوطني، وعلى مستوى الأقاليم والمحافظات حسب الجنس، ومستويات الدخل، ونوع التجمع السكاني، ومصادر الدخل وغيرها.
انطلاقاً من القناعة بدور الشمول المالي كرافعة للنمو الاقتصادي الشامل للفقراء والمناطق النائية والمهمشة في العملية التنموية، وأهمية إدماج المرأة والشباب. بادرت سلطة النقد وهيئة رأس المال إلى تحقيق وتحسين الشمول المالي والانتقال من مرحلة البرامج الجزئية إلى إعداد وتنفيذ استراتيجية وطنية للشمول المالي في فلسطين بمشاركة كافة الأطراف ذات العلاقة، وفق رؤية مشتركة وبرامج واقعية تنسجم مع الاحتياجات والأولويات المستندة للمعرفة بالواقع المحلي والقدرة على الاستفادة من التجارب الفضلى للدول التي نجحت في بناء وتنفيذ نماذج في تحقيق الشمول المالي، بالاستناد في ذلك إلى المبادئ المعتمدة من قبل مجموعة الـعشرين (G20) والبنك الدولي، والتحالف العالمي للشمول المالي (AFI) وكذلك المبادئ الرئيسة لإنشاء استراتيجية وطنية للتثقيف المالي المعتمدة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
بينت دراسة الشمول المالي أن الأفراد البالغين في فلسطين يعانون من فجوات كبيرة في نسب استخدام المنتجات والخدمات المالية فيما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفيما بين النساء والرجال. ومن الجدير ذكره أن استخدام النساء للمنتجات والخدمات المالية المصرفية لا يزيد عن ثلث ما هو لدى الرجال. وكانت معدلات استخدام الخدمات والمنتجات المالية غير المصرفية مماثلة، حيث زادت نسب استخدامها لدى الذكور عما هي لدى الإناث في معظم الخدمات والمنتجات، ومساوية لها في أحسن الأحوال.
كذلك بينت دراسة الشمول المالي وجود ضعف في الثقافة المالية في المجتمع الفلسطيني على جميع المستويات، وإن كان مستوى الذكور أعلى من مستوى الإناث، فقد بينت نتائج المسح أن أكثر من نصف سكان الضفة الغربية ذوو ثقافة مالية متدنية. وينخفض مستوى الثقافة المالية في قطاع غزة بشكل أكبر؛ حيث تبين أن ثلثي الأفراد البالغين تقريباً كانوا في مستوى ضعيف فما دون. كما وتفضل النسبة الكبرى من الأفراد البالغين في الأراضي الفلسطينية تقديم شكواها إلى مزود الخدمة مباشرة، يليها في المرتبة الثانية الذين يفضلون تقديم الشكاوى للجهة الرقابية المسؤولة عن مزود الخدمة، كما تبين أن غالبية الأفراد البالغين لا يعرفون ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات بخصوص استخدام المنتجات والخدمات المالية.